استقطبت الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى السعودية اهتماماً كبيراً من الناحيتين السياسية والاعلامية، وهو امر ليس بمستغرب في ظل التبدلات الواضحة التي حصلت في الولايات المتحدة بعد رحيل ادارة الرئيس السابق باراك اوباما.
لن نعود الى الحيثيات والاجواء التي رافقت الزيارة، فقد تم الحديث عنها باسهاب، ولكن لا بد من التوقف اولاً عند شعار قد يكون من الشعارات القليلة التي حققها ترامب منذ حملته الانتخابية، وهو ان على السعودية ان تدفع لاميركا لقاء حمايتها. هذا القول اقرنه الرئيس الاميركي بالفعل، حيث خرجت المحفظة الاميركية من الرياض بمليارات الدولارات جراء تعاقدات ومشاريع تم الاتفاق عليها، غالبيتها تتعلق بتزويد السعوديين بالاسلحة "لمواجهة الخطر الايراني". صحيح ان قسماً كبيراً من هذه العقود والمشاريع تم التحضير له ابّان ادارة اوباما، ولكن التنفيذ والتفيعل حصل على عهد ترامب، وبالتالي فإن الامتياز يعود اليه.
اما من الناحية العملية العسكرية، فإن القوة التي تم الاعلان عن تشكيلها في قمة الرياض وقوامها 34 الف جندي "لمحاربة الارهاب"، اضافة الى قيام "تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي" رسمياً قبل نهاية العام، لا ترجمة عملية ميدانية له. فالجميع يعلم ان الجيوش العربية لن تخوض حروباً دون رعاية وغطاء دولي، على غرار ما حصل مع الكويت بعد اجتياحها من قبل العراق، وهو واقع لا يزال ماثلاً في الاذهان. كما ان لا قدرة لهذه الدول على خوض حروب ومعارك عسكرية، فالسعودية وهي التي تعتبر الاقوى بين المجموعة لم تثبت قدرتها العسكرية سوى في البحرين حيث دخلت لفرض الامن الداخلي هناك سابقاً وقد تكون اليوم امام اختبار جديد. اما تجربتها في اليمن فكانت غير مشجعة اطلاقاً، وقد استنزفتها مالياً وعسكرياً. ولا يمكن ان ننسى الصراعات الداخلية بين دول الخليج والتي بدأت تلوح في الافق (المشكلة الاخيرة بين قطر من جهة، والسعودية والامارات من جهة ثانية).
وعليه، ثمّة سيناريوهين لا ثالث لهما: الاول يقول بأن ما صدر من كلام ومواقف خلال قمة الرياض وبعدها لن يتم صرفه بشكل ملموس، وبالتالي فإن الهدف من كل ذلك كان تبرير الاموال التي حصلت عليها اميركا والابقاء على "البعبع" الايراني لدول الخليج حاضراً، كي يستمر تدفق المليارات الى الوجهة الاميركية. هذا الامر من شأنه تقوية الاقتصاد الاميركي، وارضاء ترامب كرجل اعمال بالدرجة الاولى وهو الحريص على عدم استنفاذ اي فرصة من اجل كسب الاموال، بفعل خبرة اكتسبها طوال فترة حياته.
اما السيناريو الثاني فيقضي بأن يكون ترامب جدياً في ما تم قوله، اي بمعنى آخر سيؤجج الوضع الاقليمي وسنكون ربما امام مواجهة سنّية–شيعية لن تكون قصيرة حتماً. هذا الامر سيعيدنا ربما الى حقبة قديمة وتحديداً حقبة الحرب العراقية-الايرانية وما عرف بحرب الخليج الّتي امتدت نحو ثماني سنوات، مع كل ما يعنيه ذلك من استغلال لهذا الصراع وانتهائه بنتيجة "لا غالب ولا مغلوب"، مع استفادة اميركية واضحة في هذا الشأن، غير ان هذا السيناريو يحمل معه بوادر سلبية جداً لان من شأنه ان يزيد المشاكل ويفاقمها بشكل كبير، في ظل تعطّش روسيا والصين الى منع اعادة حقبة السيطرة الاميركية الاحادية على العالم، ناهيك عن انتشار الخلايا الارهابية في العالم التي ستبقى كالاورام الخبيثة مع احتمال ان تنتقل عدوى التطرف بفعل السياسة الجديدة الى الطائفة الشيعية، وعندها سيكون العالم امام خطرين كبيرين يضافان الى تأجج الصراع السنّي-الشيعي.
السؤال المطروح اذاً يتمحور حول ما اذا كانت المعاناة ستقتصر على هدر الاموال الخليجية مقابل بعض النفوذ السياسي للسعودية، ام انه سيتطور الى مشهد دراماتيكي سينطلق من الخليج لتطال شظاياه العالم اجمع؟.